حكمه سليمان
هذا داود عليه السلام قد استوى ملكاً على عرش بنى إسرائيل يحكم بينهم ويصرف أمورهم وهذا ابنه سليمان لم يكتمل فهو فى الحادية عشره من عمره ولكن أباه قد أصبح شيخاً فهو دائب التفكير فى أمر قومه مهتم بمن تكون له الولاية من بعده يرى أبناءه من حوله وسليمان وان كان صبياً إلا انه يفضلهم علماً وحكمه قد نضجت شمائله يصرف الأمور تصريف الناقد الحازم وجرت سنه داود على أن يحضر خصومته ابنه سليمان حتى تزداد قوته و يستحصف رأيه فكان سليمان ملازماً لأبيه فى مجلسه حتى يكون له من آرائه نور يمشى به .
وفى مجلس من مجالس القضاء جلس الملك داود وجلس بجانبه ابنه سليمان فأتى خصمان قال أحدهما ان زرعا له قد أتى ثمره ودنت قطوفه وصار بهجة الناظر وعتاد الزارع انتشرت فيه غنم خصمه ولم يردها راد و يحكم وثاقهما راع بل سامت و انسابت فى الزرع ليلا فأهلكته و أبادته حتى صار أثرأً بعد عين
قال صاحب الزرع ما قال ولم يدفعه صاحب الغنم بحجه ولا دليل فلزمته الخصومة وحقت عليه كلمه القضاء
حكم داود بالغنم لصاحب الزرع يأخذها خالصة له كفاء زرعه وجزاء إهمال أصحابها الذين تركوها
ولكن الصبي سليمان وقد أتاه الله علماً وحكمه انبرى فى مجلسه وفك عقال صمته و انفلتت إلى القوم حجته غير هذا أرفق ودون ذلك أوافق
فدهش القوم لجراءة الغلام وانتظروا صامتين ما وراءه فقال تدفع الغنم إلى أهل الحرث ينتفعون بألبانها و أولادها وأشعارها وسلم الأرض إلى أصحاب الغنم يقمون على زراعتها حتى تعود كما كانت ثم يترادان فيأخذ كل ما كان تحت يمينه وبذلك لا يكون هناك غنم ولا غرم
فهذا أقرب للعدل وأصح فى الحكم وأولى فى القضاء
كان هذا مبدأ لظهور أمر النبي سليمان الذى كان خير خلف لأبيه