مذاهب أهل جرجان مختلفة: أكثرهم حنفيون، والباقون حنابلة وشافعيون وشيعة ونجّارية وكرّامية. فإن قال قائل: "ألم تقل من قبل إنه ليس بها مبتدع؟ فها أنت تقول إن بها كرامية!" قلت له: "الكرامية أهل زهد وتعبد، ومرجعهم إلى أبي حنيفة، وكل من رجع إلى أبي حنيفة أو إلى مالك أو إلى الشافعي أو إلى أئمة الحديث الذين لم يغلوا فيه ولم يشبّهوا الله ويصفوه بصفات المخلوقين، فليس بمبتدع." وأنا عازم على أن لا أطلق لساني في أمة محمد، ولا أشهد عليهم بالضلالة ما وجدتُ إلى ذلك طريقا. قال مِسْعَر بن كِدام: ما أدركتُ من الناس من له عقلٌ كعقل ابن مُرَّة. جاءه رجل فقال: عافاك الله. جئتك مسترشدا، فقد دخلتُ في جميع الفرق والأهواء، فما دخلتُ في إحداها إلا كان القرآن هو الذي أدخلني فيها، ولم أخرج منها إلا كان القرآن هو الذي أخرجني، حتى صرتُ وليس في قلبي يقين. فقال عمرو بن مُرَّة: جئتني مسترشدا أم مجادلا؟ قال الرجل: جئتك مسترشدا. قال: أرأيت أهل هذه الفرق والأهواء اختلفوا في أن محمدا رسول الله، وأن ما أتى به الحق؟ قال: لا. قال: فهل اختلفوا في القرآن أنه كتاب الله؟ قال: لا. قال: فهل اختلفوا في دين الله أنه الإسلام؟ قال: لا. قال: فهل اختلفوا في الكعبة أنها القِبلة؟ قال: لا. قال: فهل اختلفوا في الصلوات أنها خمس؟ قال: لا. قال: فهل اختلفوا في رمضان أنه شهرهم الذي يصومونه؟ قال: لا. قال: فهل اختلفوا في الحج أنه بيت الله الذي يحجّونه؟ قال: لا. قال: فهل اختلفوا في الزكاة أنها من مائتي درهم خمسة؟ قال: لا. فقرأ ابن مُرَّة: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات مُحْكمات هُنَّ أُمُّ الكتاب وأُخَرُ مُتَشابِهات). ثم قال: فهل تدري ما المُحْكَم؟ قال: لا. قال: المُحْكم ما اجتمعوا عليه، والمتشابه ما اختلفوا فيه. فَشُدّ نيتك في المحكم، وكفّ لسانك عن الغلوّ في الدين. فإن هذا التعصب الذي ترى إنما هو من فعل الجُهّال. وكل من صلّى إلى هذه القبلة فهم إخواننا المسلمون.