كان الإخشيد، والي مصر، إذا توفى قائد من قوّاده أو كاتب، صادر ورثته وأخذ أموالهم. وكذلك كان يفعل مع التجار المياسير. ثم حدث أن قبض على أبي بكر الماذرائي وأبى أن يطلقه حتى يدفع له ما مبلغه ثلاثة وثلاثون أردبا دنانير. فما صار الماذرائي في الحبس حتى وقع أمر عجيب. وذلك أن رجلاً من أهل العراق صعد فوق زمزم بمكة وصاح: معاشر الناس، أنا رجل غريب، وقد رأيت البارحة في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لي: سِرْ إلى مصر والقَ الإخشيد، وقل له عني أن يطلق أبا بكر الماذرائي. ثم سار الرجل ووصل إلى مصر. فلما بلغ الإخشيد خبره، أحضره وقال له: إيش رأيت؟ فأخبره. فقال الإخشيد: كم أنفقت في مسيرك إلى مصر؟ قال: مائة دينار. فقال: هذه مائة دينار من عندي، وعد إلى مكة، ونم في الموضع الذي رأيت فيه رسول الله، فإذا رأيته فقل له: قد أديت رسالتك إلى الإخشيد فقال: إذا دفع الماذرائي لي ثلاثة وثلاثين أردبا دنانير أطلقه. فقال له الرجل: ليس في ذكر رسول الله هزل. وأنا أخرج إلى المدينة وأنفق من مالي، وأسير إلى رسول الله وأقف بين يديه يقظان بغير منام، وأقول له: يا رسول الله، أدّيت رسالتك إلى الإخشيد فقال لي كذا وكذا. وقام الرجل، فأمسكه الإخشيد وقال: قد صرنا الآن في الجدّ، وإنما ظننتك في البدء كاذباً. فلا تبرح حتى أطلق الماذرائي من حبسه.