كانت الأكاسرة إذا خَفَّ الواحد من أصحابها على قلب الملك، وكان عالمًا بالحكمة مَوْضِعًا للأمانة على ظاهره، وأحبّوا أن يمتحنوا باطنه، أمر الملكُ منهم أن بأن يُحَوَّلَ الرَّجُل إلى قصر الملك، وأن يُفْرَدَ له حُجرة يُقِيم بها. فإذا تحوّل الرجل أنِس به وخلا معه، وكان آخر من ينصرف من عنده. فيدعه على هذه الحال شهرًا، ثم يمتحنه بالنساء. فامتحن أبرويز يوما رجل من خاصته بهذه المحنة، ودسّ إليه جارية من جواريه، ووجّه معها إليه بألطاف، وأمرها أن لا تقعد عنده. ففعلت وانصرفت وأنفذها في المرة الثانية بمثل ذلك، وأمرها أن تقعد بعد تسليم الهدية هُنَيْهَة ففعلت، ولاحظها الرجل وتأمّلها وانصرفت. فلما كانت المرة الثالثة أمرها أن تطيل القعود عنده وأن تحدثه، فإن أرادها على الزيادة في المحادثة أجابته إليها. وجعل الرجل يحد النظر إليها ويُسَرُّ بمحادثتها، ومن شأن النفس أن تطلب الغرض بعد ذلك. فأبدى شيئًا من ذلك لها، فقالت: أخاف أن يعثر علينا، فإنك من الملك على خُطىً يسيرة ومعه في دار واحدة ولكن الملك يمضي بعد ثلاثٍ إلى بستانه الفلاني فيقيم هناك، فإن أرادك على الذهاب معه فأظهِرْ له أنك عليل وتمارضْ، فإن خيّرك بين الانصراف إلى دارك أوالمقام ها هنا فاختر المقام ها هنا، وأخبره أنك لا تقدر على الحركة فإن أجابك إلى ذلك جئتُ إليك كل ليلة ما دام الملك غائبًا عن قصره. فسكن إلى قولها. وانصرفت فأخبرت الملك بكل ما جرى بينهما. فلما كان بعد ثلاثٍ دعاه الملك. فقال الرجل للرسول: أخبِره أني عليل. فلما عاد الرسول بذلك، تبسّم أبرويز وقال: هذا أوّل الشر! فوجّه إليه مِحَفّة حُمِل فيها وهو مُعَصَّب الرأس. فلما رأى الملك العِصابة قال: والعصابة شرُّ ثان! ثم قال له: متى حدثت هذه العلة؟ قال: في هذه الليلة. قال له: فأيّ الأمرين أحبّ إليك: الانصراف إلى أهلك لتمريضك، أو المقام ها هنا إلى وقت رجوعي؟ قال: المُقام ها هنا أرفق بي لقلة الحركة. فتبسم الملك وقال: ما صدقت. حركتك ها هنا إن تُرِكْتَ أكثرُ من حركتك إلى منزلك! ثم أمر به فنـُفي إلى أقصى المملكة.