رُوي أن رجلاً بلغ من البخل غايته، حتى صار إماماً، وكان إذا وقع في يده درهم، خاطبه وناجاه فكان يقول: كم من أرض قطعت، وكم من كيس فارقت، وكم من خامل رفعت، وكم من رفيع أخملت، فالآن، استقر بك القرار، واطمأنت بك الدار، لك عندي ألا تـَعـْرى ولا تضحى، ثم يلقيه في كيسه ويقول له: اسكن اسكن على اسم الله، في مكان لا تهان ولا تـُذلُّ فيه، ولا تـُزعج منه. وألح أهله عليه مرة في إنفاق درهم، فدافعهم ما أمكن، ثم أخرج درهما، فبينما هو ذاهب، إذ رأى حوَّاء قد أرسل على نفسه أفعى لدرهم يأخذه، فقال في نفسه: أتـْلف شيئاً تـُبذل فيه النفس بأكلة أو شربة!! والله ما هذا إلا موعظة لي من الله، فرجع إلى بيته، ورد الدرهم إلى كيسه، فكان أهله منه في بلاء، وكانوا يتمنوْن له موتاً عاجلاً، فلما مات، وظنوا أنهم استراحوا منه، جاء ابنه، فاستولى على ماله وداره ثم سأل: ما كان أُدم أبي؟ فقال: كان يأتدِم بجبن عنده، قال: أرونيه، فإذا فيه حزُّ كالجدول، من أثر مسح اللقمة، فقال: ما هذه الحفرة؟ قالوا: كان لا يقطع الجبن، وإنما كان يمسح اللقمة على ظهره، فيـُحفر كما ترى، قال: بهذا أهلكني وأقعدني هذا المقعد، لو علمت ذلك ما صليت عليه يوم مات، قالوا: فكيف أنت تريد أن تصنع؟ قال: أضعها من بعيد، فأشير إليها باللقمة.